أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة للدكتور أحمد رمضان : الْيَقِينُ

الْيَقِينُبتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 19 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة للدكتور أحمد رمضان : الْيَقِينُ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 26 سبتمبر 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بصيغة word بعنوان : الْيَقِينُ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

وكذلك : لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : الْيَقِينُ، للدكتور أحمد رمضان.

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بعنوان : الْيَقِينُ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العنصر الأوّل: اليقينُ أساسُ الإيمانِ وصفةُ أهلِ اللهِ

العنصرُ الثّاني: اليقينُ في الرِّزقِ والنَّصرِ من عندِ اللهِ

العنصرُ الثّالث: اليقينُ في مواجهةِ الإلحادِ والشُّبُهاتِ

العنصرُ الرّابع: ترسيخُ اليقينِ في حياةِ المسلمِ وآثارُه

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بعنوان : اليقين ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 اليقين

4 ربيع الثاني 1447هـ – 26 سبتمبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الّذي رفعَ باليقينِ منازلَ أوليائِه، وجعلَهم في الدّنيا أهلَ ثباتٍ وتمكينٍ، وفي الآخرةِ أهلَ نجاةٍ وفوزٍ مبينٍ، أحمدُه سبحانه على نِعَمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ سيّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثَ رحمةً للعالمين، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أيّها الأحبّةُ في الله، حديثُنا اليومَ عن منزلةٍ عظمى من منازلِ الإيمانِ، وخصلةٍ كريمةٍ من خصالِ أهلِ اللهِ، ألا وهي منزلةُ اليقينِ؛ تلكَ النّعمةُ العظيمةُ الّتي إذا استقرّت في القلبِ نوّرت الجَوارحَ، وثبّتت الخطواتِ، وجعلت صاحبَها ثابتًا على الحقِّ أمامَ كلِّ فتنةٍ وزلزلةٍ.

عناصر الخطبة:

العنصر الأوّل: اليقينُ أساسُ الإيمانِ وصفةُ أهلِ اللهِ

العنصرُ الثّاني: اليقينُ في الرِّزقِ والنَّصرِ من عندِ اللهِ

العنصرُ الثّالث: اليقينُ في مواجهةِ الإلحادِ والشُّبُهاتِ

العنصرُ الرّابع: ترسيخُ اليقينِ في حياةِ المسلمِ وآثارُه

إنَّ اليقينَ هو الّذي حرّكَ قلوبَ الصّحابةِ للجهادِ والبذلِ والتّضحيةِ، وهو الّذي جعلهم يستهينونَ بالدّنيا في سبيلِ مرضاةِ اللهِ. فما أحرانا اليومَ – ونحنُ نواجهُ فتنَ الشُّبُهاتِ والشَّهواتِ – أن نستلهمَ من قصصِ القرآنِ والسّنةِ مواقفَ اليقينِ، وأن نترسّخَ على دربِ المؤمنينَ الصّادقينَ.

العنصر الأوّل: اليقينُ أساسُ الإيمانِ وصفةُ أهلِ اللهِ

أيّها الإخوةُ المؤمنون، إنَّ اليقينَ هو الرّكيزةُ العظمى في بناءِ الإيمانِ، وبهِ يطمئنُّ القلبُ، ويستقيمُ السلوكُ، ويثبتُ العبدُ على الحقِّ ولو اضطربتِ الدنيا من حولِه. قال تعالى: ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: 2-3]. فجعلَ اللهُ تعالى اليقينَ بالآخرةِ شرطًا للهدايةِ والفلاحِ.

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ: قَدْ ضَرَبَ الْقُرْآنُ أَسْمَى الْأَمْثَالِ فِي تَرْسِيخِ مَعَانِي الْيَقِينِ، وَرَسْمِ طَرِيقِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. فَهَذَا الْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ فِي التَّسْلِيمِ وَالْإِيمَانِ، يَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ الرَّحِيمِ يَقُولُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260].

تَأَمَّلُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ هَذِهِ الْمُنَاجَاةَ الْعَلِيَّةَ؛ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ عَنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، فَقَدْ آمَنَ وَاسْتَيْقَنَ، وَلَكِنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ لِيَزْدَادَ طُمَأْنِينَةً، وَيَرْتَقِيَ بِإِيمَانِهِ مِنْ دَرَجَةِ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾، فَقَالَ الْخَلِيلُ: ﴿بَلَى﴾، أَيْ آمَنْتُ وَاسْتَيْقَنْتُ، ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾، أَيْ أُرِيدُ أَنْ أَرَى بِالْعَيْنِ مَا آمَنْتُ بِهِ بِالْخَبَرِ، فَإِنَّ لِلْمُشَاهَدَةِ أَثَرًا فِي سُكُونِ النَّفْسِ، وَرَسُوخِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ.

فَجَاءَهُ الْجَوَابُ الْعَمَلِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَلَا رَيْبًا: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ أَيْ قَطِّعْهُنَّ وَمَزِّقْ أَجْزَاءَهُنَّ، ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا﴾ مُتَفَرِّقًا مُبَعْثَرًا، ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ أَيْ يَقُمْنَ بِقُدْرَةِ اللهِ حَيَّاتٍ طَائِرَاتٍ كَمَا كَانَتْ، تَأْتِي إِلَيْكَ مُسْرِعَةً مُذْعِنَةً لِقُدْرَةِ خَالِقِهَا. ثُمَّ خَتَمَ الْمَشْهَدَ الْجَلِيلَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، أَيْ ذُو قُدْرَةٍ قَاهِرَةٍ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَضَعُ الْأُمُورَ فِي مَوَاضِعِهَا.

قال ابن كثير رحمه الله (ج1، ص689): ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ لِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْبَابًا، مِنْهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِنَمْرُودَ: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: 258]، أَحَبَّ أَنْ يَتَرَقَّى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ فِي ذَلِكَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، وَأَنْ يَرَى ذَلِكَ مُشَاهَدَةً، فَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260].

وقال القرطبي رحمه الله (ج3، ص267- 268): لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَاكًّا فِي إِحْيَاءِ اللهِ لِلْمَوْتَى قَطْ، وَإِنَّمَا طَلَبَ الْمُعَايَنَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النُّفُوسَ مُسْتَشْرِفَةٌ إِلَى رُؤْيَةِ مَا أُخْبِرَتْ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ».

وقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «وَالْيَقِينُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:

  • عِلْمُ الْيَقِينِ: وَهُوَ مَا حَصَلَ بِالْخَبَرِ الْمُتَيَقَّنِ.
  • وَعَيْنُ الْيَقِينِ: وَهُوَ مُشَاهَدَةُ الْمُخْبَرِ بِهِ عِيَانًا.
  • وَحَقُّ الْيَقِينِ: وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ وَوُقُوعُهُ.

وَإِبْرَاهِيمُ عليه السلام لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ شَكٍّ إِلَى يَقِينٍ، بَلْ طَلَبَ التَّرَقِّيَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَسْكُنُ إِلَى الْمُشَاهَدَةِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ» (راجع: مدارج السالكين، ج2، ص 378 وما بعدها).

فَتَبَيَّنَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ سُؤَالَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ تَشَكُّكًا وَلَا ضَعْفَ إِيمَانٍ، بَلْ هُوَ طَلَبٌ لِزِيَادَةِ النُّورِ عَلَى النُّورِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا مَسْلَكُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ دَوْمًا زِيَادَةَ الْهُدَى وَالرَّسُوخِ فِي مَرَاتِبِ الْيَقِينِ، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].

وهذا موسى عليه السّلام حينما أدركَهُ فرعونُ وجنودُه والبحرُ أمامَه، قال أصحابُه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61]، فقال موسى بلسانِ اليقينِ: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62]. فكأنّما ردّ الطمأنينةَ إلى قلوبِ أتباعِه، فشقّ اللهُ له البحرَ، وجعلَه نصرًا مبينًا.

وكذلك في الغارِ حينما أحاطَ المشركونَ برسولِ الله ﷺ وصاحبِه أبي بكرٍ رضي اللهُ عنه، خافَ الصّدّيقُ، فقال له النّبيُّ ﷺ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» [التوبة: 40]، فسكَنَ قلبُه، وكان ذلك مشهدًا خالدًا في تاريخِ اليقينِ.

أيّها الأحبّة، لقد علِمَ أهلُ اليقينِ أنّ الجنّةَ حقّ والنّارَ حقّ، فما توانوا عن البذلِ والتّضحيةِ. ففي بدرٍ لمّا قالَ رسولُ الله ﷺ: «لأصحابِهِ: قوموا إلى جنَّةٍ عرضُها السَّمَواتُ والأرضُ فقالَ عميرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، جنَّةٌ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ؟ قال: نعَم، قالبخٍ بخٍ، فقالَ رسولُ اللهِ وما يحملُكَ علَى قولِ بخٍ بخٍ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إلَّا رجاءَ أن أَكونَ من أَهلِها؟ قال: فإنَّكَ من أَهلِها… فأخرجَ تمراتٍ من قرنِهِ، فجعلَ يأْكلُ منْهنَّ. ثمَّ قال: لئِن أنا حييتُ حتَّى آكلَ تمراتي هذِهِ إنَّها حياةٌ طويلةٌ، فرمى ما كانَ معَهُ منَ التَّمرِ ثم قاتَلَهم [أخرجه مسلم 227]. هذا هو اليقينُ الّذي حوّلَ الصحابةَ إلى أبطالٍ صادقينَ لا يهابون الموتَ في سبيلِ اللهِ.

قال الشاعرُ في وصفِهم:

شَبُّوا عَلَى عِشْقِ الشَّهَادَةِ وَالْفِدَا *** وَلِكُلِّ مَكْرُمَةٍ خُيُولُ سِبَاقِ

وَتَشَبَّثُوا بِعُرَى الْيَقِينِ وَكُلَّمَا *** جَاشَ الْغُزَاةُ تَشَمَّرُوا عَنْ سَاقِ

فاللّهمَّ ارزقنا يقينًا صادقًا، يثبّتُ به قلوبَنا عندَ الفتنِ، ويجعلُنا من الّذينَ لا يخافونَ في اللهِ لومةَ لائمٍ.

العنصرُ الثّاني: اليقينُ في الرِّزقِ والنَّصرِ من عندِ اللهِ

أيُّها الإخوةُ المؤمنون، إنَّ من أعظمِ صفاتِ أهلِ اليقينِ أنَّهُم لا يربطونَ أرزاقَهُم ولا مصائِرَهُم بالمخلوقينَ، بل يعلمونَ أنَّ الأمرَ كلَّهُ للهِ وحدَه. قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: 22-23].

فجعلَ اللهُ الرِّزقَ في السماءِ، أي: عندهُ في علمِه وقسمتِه، لا يملِكهُ عبدٌ ولا سلطانٌ. ولذلك كانَ أهلُ اليقينِ أسخى الناسِ وأكرمَهُم، لا يخشَونَ فقرًا ولا يخافونَ من النّاس.

وقد رُوِيَ عن العالِمِ الزّاهدِ حيوةَ بنِ شُريحٍ رحمهُ الله أنَّه كان يأخُذُ عطاؤهُ من بيتِ المالِ ستّينَ دينارًا، فلا يفارقُ مكانَ العطاءِ حتّى يتصدّقَ بها كلِّها، ثمّ يرجعُ إلى بيتِه فيجدُ مثلَها تحتَ فراشِه، لأنَّه أعطى يقينًا لا تجربةً [سير أعلام النبلاء 11/491].

ولقد علّمنا رسولُ الله ﷺ أنَّ الرِّزقَ بيدِ اللهِ وحده، ففي الحديثِ الّذي رواه ابنُ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما أنّ النّبيَّ ﷺ قال: «واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ» [أخرجه الترمذي 2516 واللفظ له، وأحمد 2669. صحيح].

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النصرَ والتمكينِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالعددِ وَلَا بِالعدَدِ، وَلَكِنَّهُ بِاليقينِ وَالصدقِ وَالاتحادِ. يَوْمَ بدرٍ ـ وَهُوَ اليومُ الفارقُ ـ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: 123]. كَانُوا قِلَّةً فِي العدَدِ، ضُعَفَاءَ فِي السلاحِ، مُحَاصَرِينَ فِي المكانِ، وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوا فِي قلوبِهِمْ يقينًا راسخًا أَنَّ النصرَ مِنْ عِندِ اللهِ، فَرَفَعَهُمُ اللهُ إِلَى سماءِ العزَّةِ، وَجَعَلَ لَهُمُ الغلبةَ عَلَى أعدائِهِمْ.

وَهَكَذَا الأُممُ فِي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ، إِذَا اجتمعَ شعبُها عَلَى كلمةٍ واحدةٍ، واصطفُّوا خلفَ قيادتِهِمُ الراشدةِ وَجيشِهِمُ الأمينِ، كَانُوا كالبنيانِ المرصوصِ الذي يشدُّ بعضُهُ بعضًا. وَإِنَّ مصرَ العظيمةَ ـ بِعَونِ اللهِ ـ قادرةٌ عَلَى أَنْ تُواجِهَ كُلَّ مَنْ يَسُولُ لَهُ نفسُهُ أَنْ يمسَّ أمنَها أَوْ يُعاديَ جيشَها؛ فشعبُها صفٌّ واحدٌ خلفَ قيادتِهِ السياسيةِ وَجيشِها الوطنيِّ العظيمِ، يستمدُّونَ مِنْ قوَّةِ إيمانِهِمْ وَمِنْ يقينِهِمْ بِنصرِ اللهِ دافعًا يُحطِّمُ كُلَّ مكرٍ وَيُبطِلُ كُلَّ عدوانٍ.

فاليقينُ الَّذي نصرَ أصحابَ بدرٍ هُوَ نفسُهُ اليقينُ الَّذي يجعلُ شعوبًا كشعبِ مصرَ قادرةً عَلَى الصمودِ وَالنهوضِ، فاللهُ هُوَ الناصرُ، والوعدُ هُوَ المحققُ: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا المعنى مَا شهدَتْهُ مصرُ فِي تاريخِها المعاصرِ، يومَ انتصرَ جيشُها العظيمُ فِي حربِ أكتوبرَ المجيدةِ، حينَ اجتمعَ الشعبُ كلُّهُ عَلَى قلبٍ واحدٍ، وتجلَّى اليقينُ بِنصرِ اللهِ فِي أسمى صورِهِ. فقليلٌ مِنَ العدَدِ والسلاحِ، ولكنَّهُم مقرونٌ بِإيمانٍ صادقٍ وَوحدةٍ راسخةٍ، كانَ أقوى مِنْ أحدثِ الدباباتِ والطائراتِ. فتحقَّقَ الوعدُ، وَصدقَ اللهُ قولَهُ: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249].

وَهَكَذَا تبقَى مصرُ ـ بِعَونِ اللهِ ـ قادرةً عَلَى مواجهةِ كُلِّ مَنْ يتجرَّأُ عَلَى أمنِها، مَا دامَ شعبُها متحدًا، وَجيشُها مرابطًا، وَقيادتُها مستمسكةً بِحبلِ اللهِ المتينِ.

اللَّهُمَّ احفظْ مصرَ وأهلَها، وانصرْ جيشَها، وَوفِّقْ قيادتَها لِما فيهِ رفعةُ الدينِ وحفظُ الوطنِ. اللَّهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمينَ عَلَى الحقِّ، وارزقْهُمُ اليقينَ والثباتَ، وادفعْ عنهمْ كُلَّ كيدٍ وعدوانٍ، إِنَّكَ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.

ومن صورِ هذا اليقينِ ما فعلهُ سعدُ بنُ أبي وقّاصٍ رضي اللهُ عنه يومَ القادسيّةِ، حينَ قطعَ الفُرسُ الجسرَ وحازوا السُّفنَ، فلم يجدِ المسلمونَ طريقًا إلّا اقتحامَ نهرِ دِجلةَ، فقال سعد: «حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، والله لينصرنَّ اللهُ وليَّه» ثمّ عبروا النّهرَ بخيلِهم ورجالِهم، فما غرقَ منهم أحدٌ، وكانت كرامةً لأهلِ اليقينِ [تاريخ الطبري 2/462].

ومن أخبارِ أهلِ التّوكّلِ واليقينِ كذلك ما كانَ من خالدِ بنِ الوليدِ رضي اللهُ عنه، حينَ قيلَ له في معركةٍ: احذرِ السُّمَّ أن يسقوكَ إيّاهُ، فقال: «ائتوني به»، فجِيءَ له بإناءٍ فشربَه كلَّه وهو يقول: بسمِ اللهِ، فما ضرَّه شيء، فقالَ الذهبيُّ: «هذه واللهِ الكرامةُ وهذه الشّجاعةُ» [سير أعلام النبلاء 1/376].

قال الشاعرُ واصفًا يقينَ أهلِ الرزقِ والتّوكّلِ:

توكّلتُ في رزقي على اللهِ خالقي *** وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكَّ رازقي

وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني *** ولو كانَ في قاعِ البحارِ العوامقِ

سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلِهِ *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ

فهذا هو اليقينُ الحقّ: أن نعلَمَ أنّ الرّزقَ بيدِ اللهِ، وأنّ النّصرَ من عندِ اللهِ، فيسكنُ القلبُ ويستقيمُ العملُ.

العنصرُ الثّالث: اليقينُ في مواجهةِ الإلحادِ والشُّبُهاتِ

أيّها الإخوةُ المؤمنون، ما أحوجَ زمانَنا إلى اليقينِ؛ إذْ كثُرت الشُّبُهاتُ، وتنوّعت دعاوى الإلحادِ والإنكارِ، فكانَ لزامًا على المؤمنِ أن يتزوّدَ بيقينٍ يثبّتُه على الحقِّ. وقد قالَ الحقُّ سبحانه:

﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ *﴾ غافر 13، وقال عز وجل: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: 60-61]. فالمؤمنُ صاحبُ اليقينِ لا يغترُّ بلمعانِ الدّنيا، ولا تُزلزلهُ حملاتُ الشُّبُهاتِ، بل يثبّتُهُ وعدُ اللهِ ووعيدُه.

ولقد جسّدَت قصصُ السّابقينَ من الصحابةِ معانيَ اليقينِ في مواجهةِ الباطلِ: فهذا سلمانُ الفارسيُّ رضي اللهُ عنه تركَ ديارَه وأموالَه، باحثًا عن نورِ الحقِّ. طافَ بينَ الأحبارِ والرّهبانِ، وكلّما ماتَ له شيخٌ أوصاهُ بآخرَ، حتّى انتهى إلى وادي القُرى، ثمّ ساقَته الأقدارُ إلى المدينةِ، فسمعَ عن نبيٍّ يُبعثُ بها، فلمّا لقيَ رسولَ الله ﷺ ورأى علاماتِ النبوّةِ بينَ كتفيهِ، خرَّ ساجدًا، وقال: هذا واللهِ الّذي كنتُ أطلبُه. فصارَ سلمانُ من كبارِ أهلِ اليقينِ بعدَ رحلةِ عمرٍ طويلةٍ [أخرجه أحمد 23737، والحديث طويل، والبزار بإسناد حسن].

أيّها الأحبّة، هذه القصصُ ليست تاريخًا نرويهُ فحسب، بل دروسًا لمواجهةِ إشكالاتِ زمانِنا؛ فمن الناسِ مَن يتيهُ في رحلةِ بحثٍ عن الحقِّ كحالِ سلمان، ومنهم مَن يملكُ سلطانًا أو مكانةً تمنعهُ من الاستسلامِ للحقِّ، فإذا واجهتهُ الحجّةُ البالغةُ كما حدثَ مع عدي، خضعَ قلبُه وأذعنَ.

إنّ الإلحادَ اليومَ ليس إلّا إعادةً لصدى قديمٍ من شبهاتِ المشركينَ والجاحدينَ، وقد ردّ القرآنُ عليها ردًّا شافيًا، فبيّنَ أنّ وراءَ هذا الكونِ ربًّا حكيمًا مدبّرًا. قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: 35-36].

قال الشاعرُ:

تأمّلْ وجودَ اللهِ في كلِّ نَظرةٍ *** فإنَّكَ إنْ أعمَيتَ عينَكَ تَكفُرُ

وفي كلِّ شيءٍ آيةٌ تُبصِرُ الهدى *** تُدلُّ على أنَّ الإلَهَ مُدبِّرُ

فاليقينُ هو الحصنُ الحصينُ أمامَ الشُّبهاتِ، والسلاحُ الماضي في وجهِ دعاوى الإلحادِ.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: تَرْسِيخُ اليَقِينِ فِي حَيَاةِ المُسْلِمِ وَآثَارُهُ

  • تأسيسٌ بالنَّصِّ القرآنيِّ: الطَّرَفُ المائلُ في مُقابِلِ الجِذْرِ الرَّاسِخِ

قالَ تَعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11].

وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُنَافِقُ يَعْبُدُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ليس داخلا بكليته، وبين هذا بقوله (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) صِحَّةُ جِسْمٍ وَرَخَاءُ مَعِيشَةٍ رَضِيَ وَأَقَامَ عَلَى دِينِهِ. (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أَيْ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا يُخْتَبَرُ بِهِ (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أَيِ ارْتَدَّ فَرَجَعَ إِلَى وَجْهِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ. (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ). القرطبي ج12، ص18.

وعلى الضِّدِّ صَوَّرَ سُبحانَهُ صِفَةَ الجِذْرِ الرَّاسِخِ فقالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحُجُرات: 15]. فـ«لَمْ يَرْتابُوا» سِمَةُ اليَقينِ الَّذي يَطْرُدُ الرَّيْبَ عَنِ القَلْبِ.

  • ميزانٌ تَشخيصيٌّ سريعٌ: أَيْنَ أَقِفُ؟

عِندَ النِّعْمَةِ: العابِدُ على حَرْفٍ يَركُنُ ويَغْتَرُّ، والمُوقِنُ يَشْكُرُ ويَزْهَدُ.

عِندَ المِحْنَةِ: هُوَ يَجْزَعُ ويَتَراجَعُ، والمُوقِنُ يَصْبِرُ ويَحْتَسِبُ.

عِندَ الشُّبْهَةِ: يُرْبِكُهُ اللَّغَطُ، والمُوقِنُ يَثْبُتُ بِالبُرْهانِ والوِرْدِ.

عِندَ تَأَخُّرِ المُرادِ: يَنْقَلِبُ ويَفْتُرُ، والمُوقِنُ يُحْسِنُ الظَّنَّ ويُجْمِلُ فِي الطَّلَبِ.

  • مَشَاهِدُ واقِعيَّةٌ تَبْنِي اليَقينَ

ضِيقُ المَعاشِ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطَّلاق: 2-3]. يُصْلِحُ السَّبَبَ ويَحْفَظُ الفَرْضَ؛ والثَّمَرَةُ: طُمَأْنِينَةٌ وتَوْفيقٌ فِي أبوابِ الرِّزْقِ.

البَلاءُ الصِّحِّيُّ: يُداوي بَدَنَهُ ويُعالِجُ قَلْبَهُ؛ يُثَبِّتُ على الدُّعاءِ والأذكارِ، ويَرَى البَلاءَ رَفْعَ دَرَجَةٍ وتَكْفيرَ سَيِّئَةٍ؛ والثَّمَرَةُ: سَكينَةٌ لا تُشْتَرى وقُرْبٌ مِنَ الرَّحمنِ.

تَأَخُّرُ الرَّجاءِ (زَواجٌ/وَظيفَةٌ/فُرْصَةٌ): لا يَنْقَلِبُ «على حَرْفٍ»، بل يَرَى تَدبيرَ اللَّهِ فَوْقَ تَخْطيطِهِ ويُدامُ على الطَّاعَةِ؛ والثَّمَرَةُ: فَتْحٌ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.

ضَغْطُ الشُّبُهاتِ وسُخْرِيَّةُ المُنْكِرينَ: يَثْبُتُ بآياتِ اللَّهِ والتَّدبُّرِ وصُحْبَةِ أَهْلِ العِلْمِ؛ والثَّمَرَةُ: بَصيرَةٌ تُحَوِّلُ العاصِفَةَ رِيحًا لَطيفَةً.

  • مَعالِمُ عَمَليَّةٌ لِتَثْبيتِ اليَقينِ «على الأَرْضِ

تَغْذِيَةُ العَقْلِ بِالوَحْيِ: «وِرْدٌ مُدارَسٌ» لِآياتِ اليَقينِ: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البَقَرَة: 4]، ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الحاقَّة: 51]، ﴿وَكَذٰلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَوَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنينَ﴾ [الأنعام: 75]، ﴿…لَمّا صَبَروا وَكانوا بِآياتِنا يُوقِنونَ﴾ [السَّجْدَة: 24].

مُرابَطَةُ القَلْبِ بِالأذكارِ: هِيَ «مِرْسَاةُ القَلْبِ» عِندَ المَوْجِ؛ ثَبِّتْ أذكارَ الصَّباحِ والمَساءِ، وخاصَّةَ أذكارَ التَّوكُّلِ والحِفْظِ.

تَحْويلُ المِحْنَةِ إلى «مِهْنَةٍ قَلْبِيَّةٍ»: عِندَ كُلِّ ضِيقٍ أعمالٌ أَرْبَعَةٌ: صَلاةٌ مَحفوظَةٌ، صَدَقَةٌ ولو قَلَّتْ، إحسانٌ لِذِي رَحِمٍ، دُعاءٌ بِلِسانٍ حاضِرٍ؛ هكَذا تَنْتَقِلُ المَعْرِفَةُ إلى «حَقِّ اليَقينِ”.

صُحْبَةُ الثّابِتينَ: اليَقينُ عُدْوًى مَحمودَةٌ؛ جالِسْ مَنْ إذا ذُكِرَ اللَّهُ رَأَيْتَ عَلَيْهِ السَّكينَةَ.

تَنْظيمُ التَّعَرُّضِ لِلأخْبارِ: لا تَدَعْ قَلْبَكَ لِتَدَفُّقِها؛ زَمِّنِ المُتابَعَةَ واشْغَلِ الباقي بِعِلْمٍ وعَمَلٍ.

  • حُسْنُ الظَّنِّ والفَأْلُ الحَسَنُ: جِناحا الأَمَلِ العَمَليِّ

في الحَديثِ القُدُسِيِّ: «أَنا عِندَ ظَنِّ عَبْدي بي، وَأَنا مَعَهُ إذا ذَكَرَني…» [البُخاري: 7405، مُسلم: 2675]. ومن الفَأْلِ الَّذي أَحَبَّهُ ﷺ: «لا طِيَرَةَ، وخَيْرُها الفَأْلُ». قيلَ: وما الفَأْلُ؟ قالَ: «الكَلِمَةُ الصَّالحَةُ» [البُخاري: 5754، مُسلم: 2223].

قاعدةٌ جامِعةٌ: ما عِندَ اللَّهِ لا يُنالُ إلّا بِطاعَتِهِ؛ فالأَمَلُ ليسَ تَواكُلًا، بَل طاعَةٌ مُحسَنَةٌ وتَوَكُّلٌ مُبْصِرٌ.

عِندَ الِابْتِلَاءِ… ثَباتُ المُوقِنِ لا اِنْقِلابُ «مَن يَعْبُدُ اللَّهَ على حَرْفٍ”.

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾ [البَقَرَة: 155]. وقالَ ﷺ لِابنِ عبّاسٍ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا» [التِّرمِذي: 2516، وأحمد: 2803. صحيح.

  • الرِّزْقُ بِيَدِ اللَّهِفلا يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطاؤُهُ على مَعْصِيَتِهِ

إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَموتَ حتّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَها وتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ تَطْلُبوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ فإنَّ ما عِندَ اللَّهِ لا يُنالُ إلّا بِطاعَتِهِ» [ أخرجه الطبراني (8/166 – 7694) صحيح].

بَرْنامَجٌ واقِعيٌّ مُقْتَضَبٌ لِتَنْشيطِ اليَقينِ

وِرْدُ قُرآنٍ مُرَكَّزٌ يوميًّا (نِصْفُ جُزءٍ مع تَدَبُّرِ آياتِ اليَقينِ).

مٌحافَظَةُ الفَرائِضِ، ورَكْعتا الضُّحى والوِتْرُ؛ فَالمُداوَمَةُ مِفتاحُ الثَّباتِ.

صَدَقَةٌ سِرًّا ولو يَسيرَةً؛ تُعْلِي القَلْبَ فوقَ حِساباتِ الخَوْفِ.

صُحْبَةُ أَهْلِ العِلْمِ ومَجالِسُ الذِّكْرِ؛ «نَفَسُهُم» يُثَبِّتُ.

مُراقَبَةٌ نَفْسِيَّةٌ أُسْبوعِيَّةٌ: ثَلاثُ نِعَمٍ جَديدَةٌ، وثَلاثُ مَواطنِ صَبْرٍ، وثَلاثُ خُطُواتٍ عَمَليَّةٌ قادِمَةٌ.

خُلاصةٌ جامِعَةٌ (وصايا ثلاثٌ): ثَبِّتْ فَرْضَكَ، أَجْمِلْ في الطَّلَبِ، أَحْسِنِ الظَّنَّ وارْفَعْ ذِكْرَكَ؛ فَهكَذا يُسْقَى جِذْعُ اليَقينِ، وهكَذا تُدْفَعُ الفِتْنَةُ وتُجْلَبُ البَرَكَةُ.

فالصدقُ في الإيمانِ لا يتمُّ إلّا بيقينٍ يطردُ الرّيبَ والشكَّ من القلبِ، ويجعلُ صاحبَه على بصيرةٍ من أمرِه.

أيّها الأحبّة، باليقينِ تصغرُ المصائبُ في عينِ المؤمنِ، ويهونُ الموتُ في سبيلِ اللهِ. فهذا عُمَرُ بنُ الخطّابِ رضي اللهُ عنه لمّا وقعَ الطاعونُ بعُمواس، تردّدَ بينَ دخولِ أرضِ الشامِ أو الرجوعِ، فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدرِ الله؟ فقال عُمر: «لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة! نفرُّ من قدرِ اللهِ إلى قدرِ اللهِ» [أخرجه البخاري]. لقد كانَ ذلك مشهدًا من أعظمِ مشاهدِ اليقينِ بالقضاءِ والقدرِ.

أيّها الأحبّة، هكذا هو اليقينُ: يملأُ القلبَ ثقةً، ويغذّي النّفسَ صبرًا، ويحوّلُ البلاءَ إلى عطاءٍ، والمِحنةَ إلى منحةٍ. ولذا قالَ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: «اليقينُ الإيمانُ كلُّه» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].

قال الشاعرُ: لا تجزعي إنَّ الفؤادَ قد امتطى *** ظهرَ اليقينِ وفي معارجِهِ ارتقى

                       غذّيتُ قلبي بالكتابِ وآيِهِ *** وجعلتُ لي في كلِّ حقٍّ منطقَا

أيّها الإخوة، فلنجعلْ يقينَنا بوصلةَ حياتِنا، نُقبلُ به على الطاعاتِ، ونصبرُ به على البلاءاتِ، ونبذلُ به في مواجهةِ التحدّياتِ، ليكونَ لنا عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ مقامُ الأمنِ يومَ يفرُّ النّاسُ ولا يأمَنونَ.

الخاتمة والدعاء

عبادَ الله، بعد أن طُفنا معكم في بساتينِ اليقينِ، وتأمّلنا مواقفَ الأنبياءِ والمرسلينَ، ووقفنا مع قصصِ الصّالحينَ من هذه الأمّةِ، وتبيّن لنا كيف يكونُ اليقينُ باللهِ حصنًا منيعًا أمامَ فتنِ العصرِ وشُبُهاتِ الإلحادِ؛ فإنّ خلاصةَ القولِ أنّ اليقينَ ليس فكرةً مجرّدةً، ولا دعوى تُقالُ باللسانِ، بل هو حياةٌ كاملةٌ يعيشُها القلبُ والجوارحُ، فيقودُ العبدَ إلى طمأنينةٍ في الشدائدِ، وثباتٍ في المحنِ، وعزيمةٍ على الحقِّ مهما تكاثرتْ الضّغوطُ وتنوّعتِ الفتنُ.

فلنربِّ أنفسَنا وأهلَنا وأبناءَنا على اليقينِ، ولنكثرْ من تدبّرِ آياتِ اللهِ في الكونِ والوحيِ، ولنستحضرْ دائمًا أنَّ اللهَ معنا حيثُ كُنّا، وأنَّ نصرَه قريبٌ لعبادِه الموقنينَ الصادقينَ.

اللَّهُمَّ اجعلْنا من أهلِ اليقينِ بكَ، الثّابتينَ على أمركَ، المنيبينَ إلى طاعتِكَ، المطمئنّينَ بذكركَ.

اللَّهُمَّ اجعلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى